الإيطالية بينيديتا بارافيا: الدبلوماسية الثقافية حجر أساس في بناء المجتمعات المعاصرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

نسجت المبادرات النوعية للمغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، ملامح المجتمع الإماراتي المعاصر إيماناً منه بأن معطياتها المؤثرة لها بالغ الأثر في تكوين الشخصية الإماراتية في كافة جوانبها الاجتماعية والفنية والأدبية التي هي نتاج لخبرات ومعرفة علمية تجمع كافة جوانب الحياة وعليها أن تقدم الرسالة التي تسهم في تنمية المخزون الإبداعي متعدد الجنسيات والمنفتح بانسجام على مختلف أشكال الإنتاج المجتمعي والذي يضيف إلى الحراك الثقافي المحلي أبعاداً إنسانية متناغمة للسلام والمحبة.

تقدر المنتجة الفنية والعاملة في مجال العمل الخيري الإيطالية بينيديتا بارافيا اختلاف طبيعة المجتمعات العربية وتفرد تقاليدها، فعشقت تعدد ثقافاتها الملهمة التي تركز على مبدأ الخصوصية واحترام الآخر كجزء من ثقافة الشارع والممارسة بشكل يومي من كافة أفراد المجتمع، وهذا ما دفعها إلى إطلاق العديد من المشاريع الملهمة التي تنطلق من الإمارات إلى العالم وتدور في فلك الدبلوماسية الثقافية التي تعد حجر الأساس في مسيرة المجتمعات المعاصرة، وعنصراً محورياً من تكوينها الذي يهدف إلى تعزيز أواصر التواصل وبناء الجسور التي ترتقي بالحوار المتبادل بين الشعوب مع الأخذ في الحسبان الهوية الثقافية المتفردة لها.

وجه الشبه

وفى السياق تقول بينيديتا: زرت دبي برفقة أخي للمرة الأولى في العام 2002، في إجازة كان من المفترض أن تكون 10 أيام فقط، لكنها دامت ثلاثة أشهر! أحببنا البلد كثيراً، والتقينا بشخصيات رائعة ومرحبة بنا، وتعلقنا بالثقافة الإماراتية بسرعة، لأنها قريبة جداً من تقاليد بلادنا، وبعدها قررت العيش في الإمارات. فهناك الكثير من وجه الشبه بين الثقافة الإيطالية والعربية وتلتقيان في العديد من الوجوه، أولاً: حب العائلة؛ فاهتمامنا بالعائلة أولوية، ونحرص في المناسبات الدينية والاجتماعية على القيام بزيارات عائلية ولقاء الأقارب، كما هي الحال في دولة الإمارات. ثانياً: الرجل الإيطالي كالرجل العربي في الغيرة والشهامة وثالثاً: احترام المرأة، مع الإشارة إلى أن المرأة في الجنوب الإيطالي، ترتدي الحجاب كجزء من التقاليد. رابعاً: الكرم والترحيب بالضيوف، وحب الموضة والأزياء والطعام.

تصحيح مسار

وحول تصدر أغنية «إمارات» المرتبة الأولى على قائمة أفضل 10 أغان عربية وعالمية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي أصدرتها في العيد الوطني 2014 وباتت بذلك أول فنانة غربية تنفذ مشروعاً موسيقياً خاصاً بالإمارات تقول بينيديتا: أردت تصحيح الفكرة الخاطئة والمشوهة السائدة عن الدول العربية والإسلامية، فأنا أفاجأ بالكثير من التعليقات على صفحاتي في مواقع التواصل الاجتماعي، من أشخاص ينتقدون إقامتي في دبي، ظناً منهم أنها مكان خطر! لذلك قررت التعاون مع الفنان الإماراتي حربي العامري، والشاعر علي الخوار، لتصوير «ديو» غنائي يُظهر معالم دولة الإمارات التقليدية والعصرية، دون أي مؤثرات بصرية، بقصد إبراز التاريخ الإماراتي والتطور الذي عاشته الدولة، وهدفي الأساسي هو نشر الوعي عالمياً بالثقافة العربية ومكانة المرأة في المجتمع الإسلامي، وبالفعل عرض بنجاح كبير في قنوات التليفزيون الإيطالي، وجرى الترويج له في دول أوروبية عدة، منها إسبانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة، ونال إعجاب الكثيرين.

فكر السلام

وتضيف بينيديتا: لقد مضى على وجودي هنا إلى اليوم 16 عاماً. تزوجت العام الماضي في محاكم أبوظبي وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، وكل ما آمله هو أن يفهم العالم معاني القيم السامية للإسلام وعقلية الناس المؤمنين المسلمين الحقيقيين وما يجمع بينهم من سلام ومودة وكرم وصداقة واهتمام بالأواصر العائلية، إضافة إلى الكثير من القيم العظيمة الأخرى. وأود أن أساهم من خلال إنتاجاتي بإظهار تلك الأشياء الصغيرة على قدر استطاعتي، فالسلام والتعايش بين كافة الشعوب بعيداً عن فكرة الدين والعرق هي فكرة تنويرية تؤكد على منهجية الأمن التي باتت من أهم مقومات المدنية الحديثة ومسوغات الاستقرار ضمن نطاقها الحيوي، وهو ما تطبقه إيطاليا أيضا حيث يعد الإسلام الديانة الثانية فيها بعد المسيحية.

إعادة الأمل

وباعتبارها المؤسس والمدير العام لمؤسسة Angels للأطفال المرضى من ضحايا الحروب تشير بينيديتا إلى أن جميع القائمين على المؤسسة يحاولون بكافة السبل احتواء ضحايا الحرب الأطفال الذين يجندون، ويقتلون، ويعتدى عليهم، ويحرمون من المدرسة، ومن العلاج، ومن البيت الحنون، ومن الأم والأب.

وأضافت: كثيرة هي الأزمات الموجودة، فقد فاقت تحمل الكبار، فما بالك بالصغار. وأكبر شيء ينقص في هذه الحالات هو «الدمج»، أي دمج هذه الحالات لتأهيلها وإخراجها من معاناتها، والدمج معناه برامج، والبرامج معناها أموال، ومعناها أناس لديهم ثقافة وخبرة في مجالات حساسة، من خلال توفير برامج تعطي لهم الأمل، وتعطي ذلك الطفل الذي تعرض لهذه الانتهاكات بديلا، فهذا طفل لن يظل في الشارع يمد يده أو يتسول، لأنه سيكون مشكلة على مجتمعه إذا لم يتوفر له الحق في إعادة الإدماج، وفي الرجوع إلى الحياة، والدخول إلى المدرسة في تعلم خبرة تمكنه من العيش، وأيضا من معالجته النفسية، ولذلك فإننا نحس بأن ما نقوم به ليس حباً بالأطفال فحسب، ولكن ضرورة لبناء مجتمع أمن وسلام دائم.

تبادل حضاري

وتضيف بينيديتا: عملت في الفترة الأولى لتواجدي في الإمارات على مشروع التبادل الحضاري، الذي انطلق عام 2005، وجاءت مشاركة الإمارات فيه بعد عامين من الانطلاقة، وقد حظي بدعم كبير من قبل الجهات المختلفة في الدولة.

وأوضحت أن المشروع يتيح للطلبة الإماراتيين الانفتاح على الحضارات ومنها الإيطالية، لمعرفة مدى تأثرها بالحضارة العربية من خلال الفنون والآداب والعادات، معربة عن سعادتها بالدعم والتسهيلات التي تقدمها الجهات لاستكمال المراحل المقبلة من المشروع. وقد اخترنا في البداية استضافة الطلاب من جامعة زايد في رحلة إلى إيطاليا لعيش تجربة التبادل الثقافي. وهنا يبدو مدى التقارب القائم بين الثقافة السائدة في جنوب إيطاليا والحضارة العربية. وقد قام الطلاب بزيارة معالم خاصة بمنظمة اليونيسكو، إضافة إلى المتاحف وتعلموا كيفية تحضير طبق البيتزا التقليدي، وقاموا أيضاً بزيارة العديد من مصانع البلاد كتلك التي تعنى بصناعة أنواع المعكرونة وأجبان الموزاريلا.

وبالنسبة لشق الإنتاج والإخراج، فقد انتهيت للتو من تصوير برنامج تلفزيوني بعنوان «مرحباً دبي» وهو عبارة عن مساهمة شخصية، التي تحولت إلى مساهمة العديد من النساء وكل ما قُمن به من أجل الإمارات، وهو بالطبع مناسبة للاحتفاء بذكرى الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد، لأن القيم جميعها مستلهمة منه وقد كان خير مثال على ذلك في حياته.

2006

تقول بينيديتا: اختبرت معنى رمضان للمرة الأولى في العام 2006، وقد كانت تجربة مذهلة بالفعل، لأن أجواء التناغم التي تسود هذا الشهر الفضيل مدهشة بالفعل، أما القيم المتبلورة فأمر مؤثر ولدي ذكريات كثيرة عن معاني كرم الضيافة التي تشبه إلى حدّ ما تلك الموجودة في الوسط العائلي الخاص بي، سيما مشهد الناس المندفعين لتزويدك بالطعام والإسراف في تدليلك والاهتمام بك، لذا فقد شعرت في هذا البلد وكأني في وطني منذ البداية.

Email